كان سليم الزعفراني بين الزعفرانيين, ككلب القطيع. يحيا دائماً وأبداً بين الأغنام, لكنه لم يكن يوماً واحداً منهم. فدعوه الزعفرانيون بسلمو المجنون. لأنه رفض الخشوع لألاهٍ لم يعرفه يوماً. فالخوف الذي لم يعرفه سلمو, كان الإلاه الأوحد للزعفرانيين. فكان خليلهم في قوتهم وفلاحهم ومضجعهم. كان يرافقهم في يقذتهم وفي أحلامهم. فكانوا يخافون من الكلام ومن السكون, من الوجود ومن العدم. فإذا ما هب نسيم الربيع, اجتاح الخوف كيان الزعفرانيين من تحول ذاك النسيم العليل إلى أعصارٍ مدمر. وإذا ما الشيب أعتلى رأس أحدهم, لطارده شبح الشيخوخة والموت إلى حين أجله. فكان ملاذ الحياة وجمال الطبيعة وأحلام المستقبل, ألذ أعداءٍ للزعفرانيين.فكانوا متحصنين منهم في بيوتهم ومتسلحين بالخوف والفشل, تأهباً لبطش أعدائهم فيهم. بأستثناء سليم.
كأرخبيلٍ وسط محيطٍ كان يجابه المد والأمواج. يبحث عن الخوف بين أنياب الضباع ووميض الصواعق
, في سكون الكهوف وسموم العقارب. في ليالي الشتاء الطويلة, حيث الظلام الدامس والبرد القارص. كان يبحث عن ذلك الشبح الذي سمم حياته وجعله كالقط بين الأرانب, ينفر منه أهله وخلانه خشيةً من أن تصيبهم اللعنة اللتي أصابته. كان وحيداً لا خل له ولا عدو. يكلم سنابل القمح ويصارع أغصان الأشجار, متأملاً بأن يرئف الخوف بحاله ويعتريه. حتى سئم سليم من حياته الجرداء. فصرخ صرخةً هزت بدويها عرش بلقيس, راجياً الخوف فيها أن يرأف بحاله ويعتريه قائلاً:
يا أيها الخوف. يا أيها الشبح الذي سمم حياتي وحولها إلى جحيم. أستحلفك بكيانك وجبروتك, أن ترئف بحالي وتحل ضيفاً على نفسي ولو للحظات. بأن تواجهني ولو بسببٍ وحيد, تعلل فيه سبب نكرانك لي وتخليك عنّي. ما هو الأثم الذي أرتكبته بحق سلطانك لتعذبني هذا العذاب؟ أجبني يا سبب تعاستي وألمي.
فأجابه الخوف بصوتٍ يقطنه العجب والأستغراب:
مالي ولك أيها الغريب؟! اطرق بابي يوماً ولم أفتح لك؟! أأتيتني جائعاً ولم أطعمك؟! أم شارداً ولم آويك ؟! كيف لك أن تنعتني بأقبح الصفات. وتلومني بأني من سبب لك الألم والأسى وأنا لم أرى وجهك أبداً؟ ها أنا جالسٌ في بيتي لا أغادره, ولا أعترض طريق أحد. فلو طرقت بابي لفتحت لك وآويتك في بيتي. فمن قصدني أطعمته من طعامي وأشربته من شرابي وألبسته من لباسي وحليي. فمن قصدني صار لي أخاً وحبيباً, ولا يغادر داري إلّا حين شاء. أما أنت أيها الغريب, لم تأتني يوماً. فلو قصدتني لفتحت لك ذراعيي وضممتك إلى صدري. وصرت لك أخاً رؤوفاً وصديقاً صدوقاً.
عندما سمع تلك الكلمات. أيقن سليم أنه كان ضالاً عن طريق الخوف
رزق الله أيوب